فصل: (فرع: أفضل وقت العصر)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: أفضل وقت العصر]

وأما العصر: فتعجيلها أفضل. وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر.
وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال مالك: (يؤخرها يسيرًا). كما قال في الظهر.
وقال الثوري، وأبو حنيفة: (تأخيرها إلى آخر الوقت أفضل، ما دامت الشمس بيضاء نقية).
دليلنا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الأعمال عند الله الصلاة في أول وقتها».
وروي عن أنس قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي العصر والشمس بيضاء نقية، ثم يذهب إلى العوالي، فيأتيها والشمس مرتفعة». وبين العوالي والمدينة ستة أميال.

.[فرع: أفضل وقت المغرب]

وأما المغرب: فتقديمها في أول وقتها أفضل. وبه قال أهل العلم كافة.
وقالت الروافض: تأخيرها إلى اشتباك النجوم أفضل.
ودليلنا: ما روى جابر قال: «كنا نصلي مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلاة المغرب، ثم نخرج فنتناضل، حتى نبلغ دور بني سلمة، ونبصر مواقع النبل من الإسفار».
وروى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم».
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بادروا بصلاة المغرب طلوع النجم».
وقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (صلوا هذه الصلاة - يعني: المغرب - والفجاج مسفرة). (مسفرة) يعني: مضيئة.

.[فرع: أفضل وقت العشاء]

وأما العشاء الآخرة: ففيها قولان:
الأول: قال في القديم، و " الإملاء ": (تقديمها في أول وقتها أفضل).
قال الشيخ أبو حامد: وهو الأصح؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أفضل الأعمال عند الله الصلاة لأول وقتها».
وروي عن النعمان بن بشير: أنه قال: أنه قال: «أنا أعلمكم بوقت هذه الصلاة، صلاة العشاء الآخرة: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصليها، لسقوط القمر لثالثة».
وهذا إخبار عن دوام فعله.
والثاني: قال في الجديد: (تأخيرها أفضل) - وبه قال أبو حنيفة - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لولا أن أشق على أمتي.. لأمرتهم بتأخير العشاء إلى ثلث الليل».
إذا ثبت هذا: فاختلف أصحابنا في الوقت الذي إذا صلى فيه.. صار مدركًا لفضيلة أول الوقت:
فمنهم من قال: هو أن يفتتحها عقيب دخول الوقت، من غير فصل.
فعلى هذا: المتيمم لا يمكنه أن يحوز فضيلة أول الوقت؛ لأنه لا يتيمم إلا بعد دخول أول الوقت، ويشتغل بعد الدخول بالطلب.
ومنهم من قال: إذا أداها في النصف الأول من الوقت.. فقد حاز فضيلة أول الوقت. وهذا هو المشهور؛ لأن النصف الأول من جملة الأول، والنصف الثاني من جملة الآخر. ولأن اجتماع الجماعة لا يحصل إلا بذلك.

.[فرع: تأخير الصلاة للغيم]

وإن كان في يوم غيم.. فالمستحب: أن يؤخر الصلاة، إلا أن يخشى إن أخرها عن ذلك، خرج وقت الصلاة.
وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قال - في الغيم -: (يؤخر الظهر، ويعجل العصر، ويؤخر المغرب، ويعجل العشاء).
وقال ابن مسعود: (يعجل الظهر والعصر، ويؤخر المغرب).
وقال أبو حنيفة: (يؤخر الظهر، ويعجل العصر، ويؤخر المغرب، ويعجل العشاء، وينور بالفجر).
دليلنا: أن فيما ذكرناه احتياطًا للصلاة، وفيما ذكروه من التعجيل تغرير بالصلاة.

.[فرع: تأخير الصلاة]

ويجوز تأخير الصلاة عن أول وقتها؛ لـ: «أن جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صلى بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلوات في المرة الثانية في آخر وقتها». فدل على جواز التأخير.
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أول الوقت رضوان الله، وأوسطه رحمة الله، وآخره عفو الله».
قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (والرضوان: إنما يكون للمحسنين، والعفو: يشبه أن يكون للمقصرين). فسماه مقصرًا.
قال أصحابنا: وله تأويلان:
أحدهما: أنه أراد أنه مقصر بإضافته إلى من صلى في أول الوقت وإن لم يكن مقصرًا في نفسه، كما أن من تنفل بعشر ركعات مقصر عند من تنفل بعشرين ركعة.
والثاني: أنه أراد أنه مقصر في تأخير الصلاة عن أول الوقت؛ لأن الله تعالى وسع عليه في ذلك، ولا يأثم به.
فإن صلى ركعة في الوقت، ثم خرج الوقت.. ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يكون مؤديًا لما صلى في الوقت، قاضيًا لما صلى بعد خروجه، كما لو صلى جميع الصلاة بعد الوقت.
والثاني: أنه يكون مؤديًا للجميع؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس.. فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس.. فقد أدرك العصر».

.[مسألة:الصلاة الوسطى]

قال الله سبحانه وتعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238].
واختلف العلماء في الصلاة الوسطى التي خصها الله تعالى بالذكر:
فذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى: أنها الصبح. وروى ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وجابر.
ورواه مالك، عن علي كرم الله وجهه.
وقالت عائشة، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد. وعبد الله بن شداد: (هي صلاة الظهر). وحكي ذلك عن أبي حنيفة.
وقال أبو هريرة، وأبو أيوب، وأبو سعيد الخدري: (إنها العصر). وهي الرواية الثانية عن علي. وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة.
وقال قبيصة بن ذؤيب: هي المغرب.
دليلنا: قَوْله تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238].
قال الشافعي: (وسياق الآية يدل على أنها الصبح، لأن الله تعالى قال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. فذكر القنوت فيها، ولا قنوت إلا في الصبح).
وروي عن ابن عباس: أنه صلى الصبح، وقنت فيها، وقال: (هذه هي الصلاة التي أمرنا الله أن نقوم فيها قانتين).
وروي «عن أبي يونس - مولى عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أنه قال:أمرتني عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أن أكتب لها مصحفًا، وقالت: إذا بلغت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] فآذني. فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: حافظوا على الصلوات، وصلاة العصر، والصلاة الوسطى، ثم قالت: سمعتها من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».
ولأن صلاة الصبح يدخل وقتها والناس في أطيب نوم، فخصت بالذكر، حتى لا يتغافل عنها.

.[مسألة:وقت أهل العذر والضرورة]

قد مضى الكلام على وقت المقام والرفاهية، والكلام هاهنا في وقت أهل العذر والضرورة، وهم: الصبي إذا بلغ، والمجنون والمغمى عليه إذا أفاقا، والحائض والنفساء إذا طهرتا. سموا بهذا الاسم؛ لأنهم كانوا معذورين عن الفرض، مضطرين إلى تركه. وفي معناهم: الكافر إذا أسلم، وإنما جعلناه من المعذورين؛ لأن بإسلامه سقطت عنه المؤاخذة بما تركه في حال الكفر.
فإذا زالت أعذارهم، أو عذر واحد منهم، وقد بقي من الوقت قدر ركعة.. لزمه فرض الوقت؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس.. فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس.. فقد أدرك العصر».
وإن أدرك من الوقت دون الركعة.. ففيه قولان:
أحدهما: لا يلزمه - وهو قول مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، واختيار أبي إسحاق المروزي - لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس.. فقد أدرك الصبح». فدل على: أنه لا يكون مدركًا بما دونها.
والثاني: يلزمه - وهو قول أبي حنيفة، واختيار القاضي أبي حامد - لأن الإدراك إذا تعلق به الإيجاب.. استوى فيه الركعة وما دونها، كما لو أتم المسافر خلف المقيم بجزء من الصلاة.
وأما الصلاة التي قبلها: فننظر فيها:
فإن كان ذلك في وقت الصبح، أو الظهر، أو المغرب.. لم يلزمه ما قبلها؛ لأن ذلك ليس بوقت لها بحال.
وإن كان ذلك في وقت العصر، أو العشاء.. ففيه ستة أقوال:
أحدها: يلزمه الظهر، إذا أدرك من وقت العصر قدر تكبيرة. ويلزمه المغرب، إذا أدرك من وقت العشاء قدر تكبيرة.
والثاني: لا تلزمه الصلاة الأولى، إلا إذا أدرك من وقت الصلاة الثانية قدر ركعة، وهو الأصح؛ لأنه لما كان وقت العصر وقتًا للظهر، ووقت العشاء وقتًا للمغرب في حق المسافر.. وجب أن يكون ذلك وقتًا لها في حق هؤلاء؛ لأنهم معذورون كالمسافر.
والثالث: لا تلزمه الصلاة الأولى، إلا إذا أدرك من وقت الثانية قدر ركعة وطهارة؛ لأنه لما اعتبر إدراك ركعة.. اعتبر قدر الطهارة؛ لأن الركعة لا تصح إلا بها.
والرابع: أن الظهر لا يلزمه، إلا إذا أدرك من وقت العصر قدر خمس ركعات؛ لأنه لما اعتبر الوقت للصلاتين.. اعتبر وقتًا يفرغ من إحداهما، ويشرع في الأخرى.
وهل يعتبر مع الخمس قدر الطهارة؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإفصاح".
فإذا قلنا بهذا.. فهل الأربع منها للعصر، أو للظهر؟ فيه وجهان:
أحدهما: أن الأربع منها للعصر، والخامسة للظهر.
فعلى هذا: لا يلزمه المغرب مع العشاء، إلا إذا أدرك من وقت العشاء قدر خمس ركعات: أربع للعشاء، وركعة للمغرب.
والثاني: أن الأربع للظهر، والخامسة للعصر، وهو الأصح؛ لأن العصر يلزمه بقدر ركعة، قولاً واحدًا، فدل على: أن الأربع للظهر.
فعلى هذا: يلزمه المغرب إذا أدرك من وقت العشاء قدر أربع ركعات.
والخامس - خرجه أبو إسحاق -: أن الظهر يلزمه إذا أدرك من وقت العصر قدر أربع ركعات وتكبيرة. ويلزمه المغرب مع العشاء، إذا أدرك من وقت العشاء قدر ثلاث ركعات وتكبيرة؛ لأن الشافعي قال في الجديد:يلزمه العصر بقدر تكبيرة، فتكون الأربع للظهر.
والسادس - ذكره في "الإفصاح" -: يلزمه الظهر إذا أدرك من وقت العصر قدر أربع ركعات. ويلزمه المغرب إذا أدرك من وقت العشاء قدر أربع ركعات؛ لأنه إذا أدرك من الوقت قدر صلاة الوقت.. لزمته الأولى تبعًا للثانية. هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة: (لا يلزمه الأولى بإدراك وقت الثانية).
دليلنا: ما روي: (أن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس أوجبا على الحائض تطهر قبل الفجر بركعة المغرب والعشاء). ولا مخالف لهما.
ولأنه لما كان وقت الثانية وقتًا للأولى في حق المسافر.. كان وقتًا لهما في حق هؤلاء.

.[مسألة:فيمن طرأ عليه مانع بعد الوقت]

وإن كان مفيقًا في أول الوقت، ثم طرأ عليه الجنون أو الإغماء، إلى أن خرج الوقت، أو كانت طاهرًا في أول الوقت، ثم طرأ عليها الحيض أو النفاس.. نظرت:
فإن لم تدرك من الوقت ما تتمكن فيه من فعل جميع الصلاة.. لم يلزمها قضاؤها.
وقال أبو يحيى البلخي من أصحابنا: إذا أدرك من أول الوقت قدر ركعة أو تكبيرة في أحد القولين.. لزمه قضاؤها، كما إذا أدرك ذلك من آخر الوقت.
وهذا خطأ؛ لأنه لم يدرك من الوقت ما يتمكن فيه من فعل الفرض، فلم يجب عليه، كما لو ملك نصابًا من المال، فهلك بعد الحول، وقبل إمكان الأداء.
وإن طرأ عليه العذر بعد أن أدرك ما يتمكن فيه من فعل الفرض.. وجب عليه القضاء عند زوال العذر.
وقال مالك: (لا يجب عليه، حتى يدرك آخر الوقت من غير عذر). وبه قال أبو العباس ابن سريج.
وهذا خطأ؛ لأنه قد أدرك ما يتمكن فيه من فعل الفرض، فلم يسقط، كما لو هلك النصاب بعد الحول، وبعد إمكان الأداء.
وأما الصلاة التي بعدها: فلا تلزمه.
وحكى الشيخ أبو حامد، وابن الصباغ، وأبو علي في "الإفصاح": أن أبا يحيى البلخي قال: إذا أدرك من وقت الظهر قدر ثماني ركعات، ثم طرأ العذر.. لزمه الظهر والعصر، كما إذا أدرك ذلك من وقت العصر.. لزمه الظهر.
وهذا خطأ؛ لأن وقت الظهر إنما يكون وقتًا للعصر، على سبيل التبع لفعل الظهر؛ ولهذا يشترط تقديمها، بخلاف وقت العصر، فإنه وقت للظهر لا على سبيل التبع لها؛ ولهذا يجوز البداية بما شاء منهما.

.[مسألة:قضاء الصلاة]

ومن وجبت عليه الصلاة، فلم يصلها، حتى خرج وقتها.. وجب عليه قضاؤها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من نام عن صلاة أو نسيها.. فليصلها إذا ذكرها».
فإذا وجب القضاء على النائم والناسي.. فلأن يجب على من تركها عامدًا أولى.
ولا يجب عليه القضاء على الفور.
وقال أبو إسحاق: إن تركها بغير عذر.. وجب عليه القضاء على الفور.
والأول أصح؛ لأن وقتها قد فات، فصار الزمان كله في حقها واحدًا.
وإن فاتته صلوات.. فالمستحب: أن يقضيهن على الترتيب؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك أربع صلوات يوم الخندق، حتى خرج وقتها.. فقضاها على الترتيب».
وكان ذلك جائزًا في أول الإسلام، ثم نسخ، وأمر أن يصلي كيف أمكنه.
فإن قضاهن من غير ترتيب.. جاز؛ لأن الترتيب استحق للوقت، وقد فات الوقت، فسقط الترتيب.
وإن ذكر الفائتة في وقت صلاة حاضرة، فإن كان قد ضاق وقت الحاضرة.. لزمه أن يبدأ بالحاضرة، ثم يصلي الفائتة. وإن كان وقت الحاضرة واسعًا.. فالمستحب: أن يبدأ بالفائتة، ثم بالحاضرة. وإن بدأ بالحاضرة قبل الفائتة.. صح.
وذهب النخعي، والزهري، وربيعة إلى: أن من نسي صلاة فذكرها، وقد دخل وقت غيرها، وأحرم بالحاضرة.. فإن صلاته تبطل، فيصلي الفائتة، ثم يصلي الحاضرة.
وذهب مالك، والليث إلى: أنه إن نسي صلاة، حتى دخل وقت صلاة أخرى، فإن ذكر ذلك، وقد أحرم بالحاضرة.. فيستحب له أن يتم التي هو فيها، ثم يقضي الفائتة، ثم يجب عليه: أن يصلي الحاضرة، إلا أن تكون الفوائت ستًا، فيسقط الترتيب.
وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى: أنه إن نسي صلاة، حتى دخل وقت صلاة أخرى، ثم ذكرها، فإن ذكرها بعد فراغه من الحاضرة.. أجزأته، ويقضي الفائتة، سواء كان الوقت واسعًا، أو ضيقًا. وإن ذكرها وقد أحرم بصلاة وقته، فإن كان الوقت واسعًا.. بطلت، فيصلي الفائتة، ثم يصلي الحاضرة، وإن كان الوقت ضيقًا.. مضى عليها، ولم تبطل، ثم يقضي الفائتة. وإن كن الفوائت ستًا.. سقط الترتيب.
وفي الخمس روايتان:
إحداهما: أنهن كالست.
والثانية: أنهن كالأربع.
وذهب أحمد، وإسحاق إلى: أنه إن ذكر الفائتة وهو مع الإمام في الحاضرة.. مضى فيها واجبًا، ثم قضى الفائتة، ثم أعاد الحاضرة.
وقال أحمد: (إذا ترك الرجل صلاة في شبابه إلى أن شاخ.. فعليه أن يقضي الفائتة، ثم يعيد كل صلاة صلاها قبل قضائها).
ودليلنا: ما روى الدارقطني: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا نسي أحدكم صلاة، فذكرها وهو في صلاة مكتوبة.. فليبدأ بالتي هو فيها، فإذا فرغ منها.. صلى التي نسي».

.[فرع: نسيان صلاة غير معينة]

وإن نسي صلاة من خمس صلوات، ولا يعرف عينها.. لزمه أن يصلي خمس صلوات.
وقال المزني: يجوز أن ينوي الفائتة، ويصلي أربع ركعات، فيجلس في ركعتين، ويجلس في الثالثة، ويجلس في الرابعة، ويسجد للسهو، ويسلم؛ لجواز أن يكون قد زاد في صلاته.
وهذا خطأ؛ لأن تعيين الصلاة واجب وذلك لا يحصل إلا بخمس صلوات.
وإن كان عليه فوائت لا يعرف عددها، ولكن يعرف مدتها.. ففيه وجهان، حكاهما الشاشي:
أحدهما: وهو قول القفال -: أن يقال له: كم تحقق أنك تركت من الصلوات؟ فإن قال: عشرًا، قلنا: اقضها دون ما زاد.
والثاني - وهو قول القاضي حسين -: أن يقال له: كم تتحقق أنك صليت في هذه المدة؟.
فإن قال: عشرًا.. أمرناه بقضاء ما زاد؛ لأن الأصل اشتغال ذمته بالصلاة، فلا يسقط عنه إلا ما يتحقق أداؤه. وبالله التوفيق.

.[باب الأذان]

الأذان: إعلام بدخول وقت الصلاة، يقال: أذن يؤذن تأذينًا وأذانًا، أي: أعلم الناس. قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3]. أي: إعلام. وإنما قيل: أذن - بالتشديد - مبالغة وتكثيرًا.
وإنما سمي الإعلام بوقت الصلاة أذانًا، اشتقاقًا من الأذن؛ لأنها بها يسمع الأذان. هكذا قاله الزجاج.
والأصل فيه: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الآية [الجمعة: 9]. وقَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} [المائدة: 58].
وأما السنة: فما «روى أبو عمير بن أنس عن عمومته من الأنصار، قال: اهتم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للصلاة، كيف يجمع الناس لها؟ فاستشار المسلمين في ذلك، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رآها الناس آذن بعضهم بعضًا.. فلم يعجبه ذلك؛ فذكروا له البوق، فقال: هو مزمار اليهود، وذكروا له الناقوس، فقال: هو مزمار النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لاهتمام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأري الأذان في منامه، فغدا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره بذلك، وقال: يا رسول الله، إني لبين النائم واليقظان، إذ أتاني آت، فأراني الأذان. قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يومًا، ثم أخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، فقال: ما منعك أن تخبرنا فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قم يا بلال،
فانظر ماذا يأمرك به عبد الله بن زيد، فافعله. قال: فأذن بلال.
قال أبو عمير عن عمومته: وإنما لم يأمر عبد الله بن زيد أن يؤذن؛ لأنه كان يومئذ مريضًا».
وأجمعت الأمة: على أنه مشروع للصلاة.
إذا ثبت هذا: فالأذان مستحب؛ لما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أذن اثني عشرة سنة.. وجبت له الجنة، وكتب له بكل أذان ستون حسنة، وبكل إقامة ثلاثون حسنة».
وروى ابن عباس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من أذن سبع سنين محتسبًا.. كتب له براءة من النار».
وروي: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة».
ولهذا الخبر خمس تأويلات:
إحداهن: قيل: أطول الناس رجاء؛ لأنه يقال: طال عنقي إلى وعدك، أي: إلى رجائك.
والثانية قيل: إن المؤذنين أكثر الناس أتباعًا يوم القيامة؛ لأنه يتبعهم كل من صلى بأذانهم، يقال: جاءني عنق من الناس، أي: جماعة.
والثالثة قيل: إن أعناقهم تطول، حتى لا ينالهم العرق يوم القيامة؛ لأنه روي: «أن العرق يلجم الناس يوم القيامة».
والرابعة قيل: أطول الناس أصواتًا، وعبر بالعنق عن الصوت؛ لأنه منه يخرج.
والخامسة قيل: إعناقًا - بكسر الهمزة - أي: أشد الناس إسراعًا في السير.
إذا ثبت هذا: فهل هو أفضل، أو الإمامة في الصلاة؟ فيه أربعة أوجه:
أحدها - وهو قول أكثر أصحابنا -: أن الأذان أفضل؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤذنون أمناء، والأئمة ضمناء، فأرشد الله الأئمة، وغفر للمؤذنين».
والأمين أحسن حالاً من الضمين. ولأنه دعا للأئمة بالرشد، وللمؤذنين بالمغفرة، والغفران أفضل من الرشد.
ومعنى قوله: (أمناء) أي: على المواقيت، فلا يؤذنون قبل دخول الوقت.
وقيل: لأنهم يشرفون على موضع عال، فيكونون أمناء على الحرم.
وقيل: أمناء في تبرعهم بالقيام بالأذان وليس بفرض.
فأما الأئمة: فإنهم (ضمناء) إذا قاموا بفرض الصلاة، فيسقط فرض الكفاية عن سائر الناس.
وقيل: إنهم ضمناء، أي: أنهم يتحملون سهو المأمومين إن وقع عليهم، ويتحملون القيام والقراءة، إذا أدركهم المأمومون في الركوع.
قال أبو إسحاق المروزي: الإمامة مكروهة.
والوجه الثاني: أن الإمامة أفضل. لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والخلفاء بعده كانوا أئمة، ولم يكونوا مؤذنين.
والثالث - حكاه في "الفروع" -: أنهما سواء.
والرابع - وهو اختيار أبي علي الطبري، والمسعودي [في "الإبانة" ق \ 60] إن كان الإمام يعلم من نفسه القيام بحقوق الإمامة، وما ينوب فيها.. فالإمامة أفضل. وإن كان يعلم أنه لا يقوم بذلك.. فالأذان أفضل؛ لأنه أقل خطرًا.
قال الجويني: ويكون المؤذن غير الإمام؛ لنهي ورد فيه، إن صح.